Translate

الثلاثاء، أبريل 30، 2019

حكاية نساء بلادي يشتغلون في مزارع الفريز والجلبانة

بعد يوم طويل من العمل الشّاق... عادت "حفصية" إلى "الدوار" تحمل في "علاقتها" بعض الأغراض وقليلا من الخضر... كان زوجها في انتظارها على أحرّ من الجمر... رمق ما بداخل القفّة فاستشاط غضبا: " شنوّة اللّي في "العلاقة"؟؟؟ موش وصّيتك ما تشري شي؟؟؟ ما تقلّيش الفلوس دڨدڨتهم كي العادة؟؟
- "ما عنّا شي في الدّار والطفل يلزمو ياكل حويجة"
- "الطفل... الطفل ... ما تفكّري كان في الطفل... باهي هات 20 دينار"
- "لواه 20 دينار؟؟؟"
- "قتلك هات عشرين دينار ما كانش نصوّتك... راني الدّجاج الأكحل داير بيّا... مدّ خليني نمشي ننسى الهم اللّي عايش فيه"
- "ما عنديش 20 دينار... ما قعد عندي كان 10 لاف..."
- "كان ما تمدّيش 20 دينار تو نفكّلك القضية الكلّ ونمشي نبيعها ونخلّيك بلاش... ونزيد نصوّتك.. أطلع بالصوارد خيرلك"
كان الطّفل يتابع الحوار وهو منزو في ركن من مقصورة  وقد أخفى وجهه بين كفّيه الصّغيرتين وشرع في البكاء.. وصل صوت نحيبه إلى أمّه فحانت منها التفاتة إليه... أدخلت يدها إلى صدرها واستلّت من تحت ثوبها صرّة صغيرة ما إن لمحها زوجها حتى اختطفها من يدها دون أن ينتظر منها أن تفتحها وصفعها على وجهها ثم غادر البيت لا يلوي على شيء وهو يسبّ اليوم الذي عرفها فيه ومن كان سببا في معرفته بها...
تحاملت "حفصية "على نفسها ولم ترغب في أن تظهر ألمها وحزنها لابنها... مسحت خدّها المحمرّ من شدة الصفعة، ورسمت ابتسامة على وجهها ثمّ اتّجهت نحو صغيرها فأخذته في حضنها وقبّلته لتهدّئ من روعه... فتحت كيسا كانت تخفيه في قفّتها وأخرجت منه قطعة من الحلوى ولعبة صغيرة قدّمتهما له.
- " كيما وعدتك وليدي، هاني شريت طريّف لحم باش نڨدّلك ملوخيّة تاكل عليها صوابعك. ماني نعرفك تموت عليها"
... فرغت نوّارة من إعداد الطعام... جلست على حصير بال تتناول العشاء مع صغيرها وهي تلاغيه وتداعبه... حتى غلبه النعاس ونام...
استغلّت نوّارة فرصة نوم ابنها وغياب زوجها عن البيت لتعمل بعض الوقت على منسجها فقد كانت مجبرة على إنهاء "البطّانية" الصّوفية التّي قارب موعد تسليمها والتي كانت قد قبضت نصف ثمنها منذ أكثر من أسبوع.
بعد ساعتين من العمل المضني على ضوء "البريميس" لم تعد "حفصية" قادرة على الحراك من شدّة التعب... فتحاملت على نفسها لترتمي على السّرير الخشبي الذي يحتلّ ركنا مهملا من المقصورة المعتّمة... ما إن غلبها النعاس حتى أفاقت مذعورة على صوت زوجها الحانق وهو يعربد متفوّها ببذيء الكلام وقد انبعثت من فمه رائحة أحد أنواع الخمور الرّخيصة التّي كان يعاقرها:
- " ديما راقدة! قوم فيسع جيبلي العشاء"
- " العشاء خلّيتهولك على الميدة، تكلّم بالشويّة الطفل راقد"
- " قتلك قوم سخّن العشاء ولاّ تو نطيّشك انتي وولدك البرّا"
تحاملت "حفصية" على نفسها متمتمة: "يا رسول الله من صبحة ربّي وأنا على فرد رجل..." أوقدت البريميس وسخّنت الطعام، لكنها عندما نادت زوجها ليأكل وجدته يغطّ في نوم عميق وقد تقيّأ بالقرب من الفراش وجعل رائحة المكان لا تطاق.
اضطرّت إلى الخروج في الظّلام الحالك لجلب قليل من الرّمل تغطّي به القيء ثم استلقت على بساط في ركن آخر ونامت...
"حفصية يا حفصية ..هيّا النّهار راح" ... اعتادت  أن تنهض يوميّا على صوت جارتها "عروسية" وهي تناديها للخروج للعمل... فأفاقت وهي تحسّ أنّ جسدها الهزيل لم يأخذ ما يكفيه من الرّاحة... ولكنّها كانت تعلم أنه يجب عليها أن تعمل.. رشّت وجهها ببعض الماء ثم أخذت قطعة من الخبز وقرنا من الفلفل وحبّة من الطماطم وضعتها في "علاقتها" ووضعت "محرمتها" على رأسها وخرجت... في تلك اللّحظة وصل العم "معط الله" سائق سيّارة "الكات كات باشي" ليقلّهنّ إلى مزارع الفراز والجلبانة ... ركبت هي وصويحباتها في الصّندوق الخلفي للشّاحنة وجلسن القرفصاء وقد أسندت كلّ منهنّ ظهرها إلى صاحبتها بحثا على شيء من الدّفء في ذلك الصّباح البارد... انطلقت الشّاحنة في المسلك الفلاحي وهي تهتزّ وتنتفض... حتى وصلت المعبّد... هناك أطلق لها العم معط الله العنان... كان الضّباب كثيفا والرؤية غير واضحة... كان شبه نائم بعد أن قضّى اللّيل يلعب الورق في دكّان "عم مصباح" الحوانتي وكانت النسوة في الخلف شاردات الذّهن... فجأة برزت من وسط الضّباب شاحنة مجنونة تسير في الاتّجاه المعاكس يحاول سائقها تجاوز شاحنة ثقيلة... لم يكن هناك مفرّ من الاصطدام...
رحلت حفصية ... تاركة طفلا صغيرا فقد سندا كان له كلّ شيء في هذه الحياة.تلك حكاية امراة من حكاية وطن لو تعلمون انه  تونس

L’image contient peut-être : 1 personne, enfant et plein air