قل للمليحه في الخمار الأسود ماذا صنعت بزاهد متعبـد ؟
قد كان شمر للصلاة ثيابـه
حتى وقفت له بباب المسجد .
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق ديـن محمـد
تعتبر هذه الأبيات أول إعلان في التاريخ كان في شكل بيت من الشعر نظمه الشاعر ربيعة بن عامر الملقب بالدرامي فقد حضر إليه أحد التجار يشكو نفاذ كل الخمارات التي يبيعها عدا السوداء فلم يشتريها أحد منه ... فنظم الشاعر قصيدة وأرسلها لأحد الشعراء ليتغنى بها ... و كتب في مطلعها :ـ قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا فعلت بناسك متعبد ... ولما انتشرت هذه القصيدة لم تبقى واحدة لم تشتر خمار أسود فنفذت كل الخمارات لدى التاجر بل أنه باعها بسعر مرتفع
هناك 3 تعليقات:
ذات الخمار الأسود (من طرائف العرب)
- قدم بعض التجار مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه حمل من الخمر السود ( الخمر: جمع خمار، وهو ما تغطى به المرأة وجهها ) ،
فلم يجد لها طالباً ولا شارياً، فكسدت عليه وضاق صدره،
فقيل له: ما ينفقها لك إلا "مسكين الدرامي"( هو ربيعة بن عامر، توفى سنة 89هـ )
وهو من مجيدي الشعر الموصوفين بالظرف والخلاعة.
- فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه وقص عليه القصة.
فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحال ؟
فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل،
وتضرع إليه، فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول وعمل هذه الأبيات وشهرها وهى:
قل للمليحة في الخمار الأسود مـــاذا فـعـلت بـنـاسك iiمـتـعبد
قــد كـان شـمر لـلصلاة ثـيابه حـتى قـعدت له بباب iiالمسجد
ردى عـلـيه ثـيـابه iiوصـلاتـه لا تـقـتليه بـحـق ديــن iiمـحمد
- فشاع بين الناس أن "مسكيناً الدرامي" قد رجع إلى ما كان عليه،
وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق في المدينة ظريفة إلا وطلبت خماراً أسود.
فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه، لكثرة رغباتهم فيه،
فلما فرغ منه عاد إلى تعبده وانقطاعه.
إعلان تجاري في القرن الثاني الهجري
غادر سليمان البغدادي في القرن الثاني الهجري العراق إلى مكة المكرمة في تجارة يبيع فيها الخُمر السوداء، ولكن النساء في مكة لم تقبل على شراء تلك الخمُر فكادت أن تبور تجارته، فذهب إلى الشاعر ربيعة بن عامر والملقب بـ "مسكين الدرامي" والذي انقطع إلى العبادة زاهدا في الدنيا. فشكى التاجر سليمان البغدادي للدرامي مصيبته، وتعهد البغدادي بأن يتصدق على الفقراء والمساكين إن بيعت خمُره، وهكذا وافق الدرامي على مساعدته بأن أنشد شعرا يقول فيه: قل للمليحة بالخمار الأسود... ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبد// قد كان شمر للصلاة ثيابه... حتى وقفت له بباب المسجد// ردي عليه صلاته وصيامه.. لا تقتليه بحق دين محمد. فانتشرت هذه الأبيات بين ألسن الناس، وراحت النساء تطلب الخُمر السوداء ليكنَّ على القدر من الجمال الذي تحدث فيه الشاعر والذي يصل حد الفتنة!!
لم أقرأ هذه القصة كما وردت في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، بل أنظر إليها كما طرحتها إحدى وكالات الإعلان في المنطقة العربية في مطبوعة مختصة بشؤون التسويق. وقد أوردت القصة على شكل إعلان مكتوب على رقعة جلدية، والأبيات مطرزة بخيوط الذهب على خمار أسود كما كانت تفعل العرب في معلقاتها على أستار الكعبة. طرحت الشركة عدة أفكار، فالعنوان يقول أن هذه القصة تجمع بين الدين والإغراء والإثارة، وتتسائل إن كانت شبه الجزيرة العربية أكثر تساهلا في هذه القضايا (التابوهات) قبل 1300 عام!!
على أية حال أنا ألتقط الخيط من مكان آخر، وأقول أن هذه القصة تؤكد قدم الممارسات التسويقية في الثقافة العربية وإن كانت بشكل ارتجالي وغير مدروس. ولكن لا ينكر أحد تفوق العرب والمسلمين في التجارة وانشغال جزء كبير من سكان هذه المنطقة القديمة بها. ولو لم تكن لهم ممارسات تسويقية لما تمكنوا من بيع بضائعهم في ما وراء البحار، ولولا قدرتهم التفاوضية لما استطاعوا استيراد بضائع الهند والسند ليقيموا علاقات تجارية مع ذلك الجزء من العالم. فالتجار العرب والمسلمون تمكنوا من نشر الإسلام في دول شرق آسيا بدون سيف أو قتال، وما كانوا ليهتدوا لذلك إلا من خلال معاملة متميزة مع زبائنهم (خدمة العملاء) ووكلائهم (المبيعات) وحكام تلك المناطق (العلاقات العامة) الذين أعجبوا بسلوكهم التسويقي الذي كان مدفوعا بواجبات وتعاليم اسلامية، فاختارت شعوب تلك المنطقة الإسلام طواعية. لا أريد أن أحمل الفكرة أكبر من طاقتها، ولكن هذه الحقيقة التي نستنتجها.
فلا تتتعارض قوانين التسويق مع منظومة الدين والقانون والأخلاق، فالتسويق علم ككل العلوم البشرية، تحكمه أخلاقيات العلم والمهنة، والتجاوز فيه جريمة لا يمكن أن يبررها الربح المادي. وممارسات البعض هي تعبر عن فهمهم الخاطيء واستغلالهم السيء لعلم التسويق.
وفي هذه القصة مثال جيد فالتاجر البغدادي لم يغش هذه الخُمر ليقول أنها من الحرير!! ولم يتعهد بتبديلها إن تمزقت ثم ينكث عهده. بل اكتشف أنه في مشكلة تسويقية لم تكن في حسبانه، فهو لم يراعي اختلاف السوق بين بغداد والحجاز من الناحية الاجتماعية ونمط الحياة (بحث السوق). ولكنه تدارك الأمر فعرف مكانة الأدب مع العرب فاتجه إلى شاعر (وكالة تسويقية). وهذا الأخير عرف أن من يلبس هذا الخمار هن النساء (الشريحة المستهدفة)، وأدرك أن للغيرة فعل السحر لدى النساء (سلوك المستهلك) فأنشد تلك الأبيات.
إن تلك الأبيات اجتمعت لتكون إعلانات ناجحا بامتياز، لم يغير من المنتج ولكن أبرز الكثير من جمالياته. والثقافة العربية مليئة بتلك الأمثلة والشواهد التسويقية التي تستحق الدراسة.
الكثير من الأمثلة التي يمكن أن نضعها في هذا السياق، وذلك ليس بغرض التفاخر التاريخي، ولكن لأن ذلك يؤسس لنمط تسويقي عربي مستقل، يأخذ بالحسبان كل مكونات الثقافة العربية التي تضيع في كثير من الإعلانات المترجمة.
إعلان تجاري في القرن الثاني الهجري
غادر سليمان البغدادي في القرن الثاني الهجري العراق إلى مكة المكرمة في تجارة يبيع فيها الخُمر السوداء، ولكن النساء في مكة لم تقبل على شراء تلك الخمُر فكادت أن تبور تجارته، فذهب إلى الشاعر ربيعة بن عامر والملقب بـ "مسكين الدرامي" والذي انقطع إلى العبادة زاهدا في الدنيا. فشكى التاجر سليمان البغدادي للدرامي مصيبته، وتعهد البغدادي بأن يتصدق على الفقراء والمساكين إن بيعت خمُره، وهكذا وافق الدرامي على مساعدته بأن أنشد شعرا يقول فيه: قل للمليحة بالخمار الأسود... ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبد// قد كان شمر للصلاة ثيابه... حتى وقفت له بباب المسجد// ردي عليه صلاته وصيامه.. لا تقتليه بحق دين محمد. فانتشرت هذه الأبيات بين ألسن الناس، وراحت النساء تطلب الخُمر السوداء ليكنَّ على القدر من الجمال الذي تحدث فيه الشاعر والذي يصل حد الفتنة!!
لم أقرأ هذه القصة كما وردت في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، بل أنظر إليها كما طرحتها إحدى وكالات الإعلان في المنطقة العربية في مطبوعة مختصة بشؤون التسويق. وقد أوردت القصة على شكل إعلان مكتوب على رقعة جلدية، والأبيات مطرزة بخيوط الذهب على خمار أسود كما كانت تفعل العرب في معلقاتها على أستار الكعبة. طرحت الشركة عدة أفكار، فالعنوان يقول أن هذه القصة تجمع بين الدين والإغراء والإثارة، وتتسائل إن كانت شبه الجزيرة العربية أكثر تساهلا في هذه القضايا (التابوهات) قبل 1300 عام!!
على أية حال أنا ألتقط الخيط من مكان آخر، وأقول أن هذه القصة تؤكد قدم الممارسات التسويقية في الثقافة العربية وإن كانت بشكل ارتجالي وغير مدروس. ولكن لا ينكر أحد تفوق العرب والمسلمين في التجارة وانشغال جزء كبير من سكان هذه المنطقة القديمة بها. ولو لم تكن لهم ممارسات تسويقية لما تمكنوا من بيع بضائعهم في ما وراء البحار، ولولا قدرتهم التفاوضية لما استطاعوا استيراد بضائع الهند والسند ليقيموا علاقات تجارية مع ذلك الجزء من العالم. فالتجار العرب والمسلمون تمكنوا من نشر الإسلام في دول شرق آسيا بدون سيف أو قتال، وما كانوا ليهتدوا لذلك إلا من خلال معاملة متميزة مع زبائنهم (خدمة العملاء) ووكلائهم (المبيعات) وحكام تلك المناطق (العلاقات العامة) الذين أعجبوا بسلوكهم التسويقي الذي كان مدفوعا بواجبات وتعاليم اسلامية، فاختارت شعوب تلك المنطقة الإسلام طواعية. لا أريد أن أحمل الفكرة أكبر من طاقتها، ولكن هذه الحقيقة التي نستنتجها.
فلا تتتعارض قوانين التسويق مع منظومة الدين والقانون والأخلاق، فالتسويق علم ككل العلوم البشرية، تحكمه أخلاقيات العلم والمهنة، والتجاوز فيه جريمة لا يمكن أن يبررها الربح المادي. وممارسات البعض هي تعبر عن فهمهم الخاطيء واستغلالهم السيء لعلم التسويق.
وفي هذه القصة مثال جيد فالتاجر البغدادي لم يغش هذه الخُمر ليقول أنها من الحرير!! ولم يتعهد بتبديلها إن تمزقت ثم ينكث عهده. بل اكتشف أنه في مشكلة تسويقية لم تكن في حسبانه، فهو لم يراعي اختلاف السوق بين بغداد والحجاز من الناحية الاجتماعية ونمط الحياة (بحث السوق). ولكنه تدارك الأمر فعرف مكانة الأدب مع العرب فاتجه إلى شاعر (وكالة تسويقية). وهذا الأخير عرف أن من يلبس هذا الخمار هن النساء (الشريحة المستهدفة)، وأدرك أن للغيرة فعل السحر لدى النساء (سلوك المستهلك) فأنشد تلك الأبيات.
إن تلك الأبيات اجتمعت لتكون إعلانات ناجحا بامتياز، لم يغير من المنتج ولكن أبرز الكثير من جمالياته. والثقافة العربية مليئة بتلك الأمثلة والشواهد التسويقية التي تستحق الدراسة.
الكثير من الأمثلة التي يمكن أن نضعها في هذا السياق، وذلك ليس بغرض التفاخر التاريخي، ولكن لأن ذلك يؤسس لنمط تسويقي عربي مستقل، يأخذ بالحسبان كل مكونات الثقافة العربية التي تضيع في كثير من الإعلانات المترجمة.
إرسال تعليق