Translate

الأربعاء، يناير 27، 2016

يا تونسي الفتنة نائمة بيننا ولعن الله من يقظها


قد نتفق على أن  تونس الذي نعيش فيها لم تصل بعد إلى تلك الصورة الزاهية التي يشكلها كل واحد منا في مخيلته. قد نتفق أيضا على أن بين الحلم الذي يترائ لنا في الأفق، وبين الواقع الذي نعيش فيه، هناك مسافة طويلة من الإصلاحات المنتظرة.. كما قد نتفق قليلا، على أن تونس عاشت الكثير من الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة، وزد عليها حتى الثقافية والرياضية، ما يستدعي القيام بعمليات عاجلة لاستئصال بعض الأورام من مفاصله الحيوية، حتى يتمكن من الركض بسرعة للحاق بالبلدان الصاعدة التي سبقتنا في التنمية.. وأخيرا، قد نتفق على أن كل هذه الاحتجاجات والمظاهرات التي تنبت في هذا الشارع أو ذاك، أو أمام هذه المؤسسة أو تلك، قد نتفق على أن توس بلد حي، يتحرك، ويعيش حركية دائمة، أو لنسميه حراكا متواصلا، كما لو أنه مخاض يؤشر على مرحلة انتقالية للمجتمع.
إن ميزة هذه الحركية، تكمن في تفرُدها بخواصها الاستثنائية، التي تجعل منها علامة فارقة في المحيط الإقليمي، الذي عاش كبوات التحول في زمن التغيير. وبالتالي فإن هذه الحركية تؤشر على أن المجتمع التونسي سائر، وإن بسرعة منخفضة، نحو التغيير، أو لنقل نحو الديمقراطية، وأن لهذا الانتقال كلفة معينة، قد تصبح مجرد ذكرى جميلة، إذا اعتبرنا أنفسنا منخرطين جميعا في تمرين ديمقراطي حقيقي، في أفق أن يبتلينا الله بالديمقراطية المنشودة.. لكن ما استغرب له، ونحن نعيش هذا المخاض، وهذا الكم الهائل من الاحتجاجات، هو أن هناك جهات ظاهرة وخفية في الوقت نفسه، تبذل قصارى جهدها من أجل الركوب على هذه الحركية، أو هذه الاحتجاجات التي تعد من الأشكال التعبيرية المحمودة في بلد يخوض امتحانا في الديمقراطية، حتى تشرعن للانفلات والفوضى والشغب، وأيضا حتى تخلق مبررات للعنف والعنف المضاد... وهذا لعمري منبع الفتنة في المجتمع.لقد راهنا جميعا، ونحن نشم نسيم الربيع العربي، على التغيير الحقيقي.. فقد انهارت أمم عريقة وسقطت أنظمة عتيدة، وعم العبث في إقليم كان مهدا للعديد من الحضارات الضاربة في عمق التاريخ،  على الصعيد العربي هذا مكتسب غالي الثمن، ساهمنا فيه جميعا مواطنين وأحزاب ونقابات وهيئات حقوقية ومجتمع مدني حي... وبالتالي فإن حفاظنا على هذا المكتسب يعد امتحانا ديمقراطيا صعبا، مادام أن الحصول على الشيء أسهل من الحفاظ عليه.
الآن، وبعد هذا المسلسل الديمقراطي الاستثنائي، تحرر المجتمع التونسي من عقدة الخوف، وأصبح، من عمق إيمانه بالديمقراطية كمشروع مجتمعي، يتفاعل مع الأحداث، يحتج، يتحرك، يشكل رأيا عاما يتجاوب ويغضب ويفضح ويفرح، دون أن ينسى أن هناك استقرارا ثمينا ينبغي صونه والمحافظة عليه، مادام مشتركا بين جميع التوانسى.. لذلك، ومن منطلق المِلك المشترك، وجب الوقوف ضد كل من يسعى إلى المس بهذه المكتسبات،
إن التغيير حق مشروع، ومكفول بالقانون، لكن من داخل المؤسسات، وليس من خارجها خدمة لأجندات خفية يعلمها الله سبحانه، لذلك، أذكركم بأن "الفتنة نائمة بيننا،ولعن الله من أيقظها". أتمنى أن تكون الرسالة واضحة.

ليست هناك تعليقات: