Translate

الثلاثاء، فبراير 20، 2018

افتتاحية جريدة الصحافة التونسية ليوم 20 فيفري 2018 مبادرة الدستوريين هي نداء واجب


مثّل البيان الذي أصدرته مجموعة من القيادات السياسية السابقة على الصعيدين الوطني و الجهوي والمحلي، المتبنية للفكر الدستوري البورقيبي من مختلف الأعمار والأجيال والتجارب، والذي حمل عنوان « البيان الوطني الدستوري»، صرخة عالية ضدّ الوضع المتردي الذي آلت إليه البلاد بعد السنوات العجاف الأخيرة التي شهدت تدهورا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كبيرا.
هذا البيان الذي اعتبره البعض سعيا لإعادة لملمة شتات النظام السابق و تشكيلا مستحدثا للتجمعيين رغم وجود من لم يساهموا في التجمع أو حتى في الحزب الاشتراكي داخل هذه المجموعة الهامة من التجارب المتنوعة ، يعدّ حقيقة من البيانات التي لم تكشف عن أهدافها وأسباب اختيارها لهذه الصيغة الغامضة التي تدفع إلى طرح العديد من التساؤلات. وقد لخصت هذه الوثيقة الوضع الراهن في ثلاث نقاط تمثلت في دخول الدولة في انهيار غير مسبوق يهدد مقومات الدولة الوطنية لمواجهة تونس لمخاطر الإرهاب والتهريب، ثم تردي المشهد السياسي وعزوف المواطنين عن الأحزاب السياسية وأخيرا استنفاذ الحكومات الثمانية التي تداولت على السلطة بعد الثورة لكل طاقاتها في خضم التجاذب السياسي والاضطرابات الاجتماعية غير المسبوقة. ويمكن للمتمعن في هذا البيان ملاحظة ما يخفيه بين طياته من سعي للمّ شمل الدستوريين حول مشروع سياسي موحد يمكن له أن يمثل بديلا وطنيا قادرا على الإصلاح وتجاوز أخطاء المرحلة السابقة والراهنة، فهو بمثابة المبادرة السياسية التي تهدف إلى إنقاذ تونس من الوهن والتراجع الذي أصابها وبات يهدد مكتسباتها ومكانتها بين الدول نتيجة لأخطاء الحكومات المتعاقبة ولتحالف الأضداد الذي مثل في حقيقة الأمر نتاجا لتوافق مغشوش. لكن هل يمكن للموقّعين على هذا البيان رصّ الصفوف وفعل ما لم يتسنّ لغيرهم من الحاملين للفكر الدستوري فعله ؟ خصوصا وأن واقع الحال يثبت أن الدستوريين يعيشون انقسامات وخلافات مبدئية جعلتهم متفرقين إلى عدة أحزاب و«دكاكين» سياسية بحسب المصلحة الذاتية أو التمسك بموقع الريادة أو لما يفرضه الواقع لدى البعض من تنازلات على حساب القناعات. كما أن مواقفهم من تجربة الحكم الجديدة وخصوصا منها التوافق بين النهضة والنداء جعلتهم ينقسمون إلى صنفين أحدهما يرفض رفضا قاطعا التعامل مع حركة النهضة وينادي بالقطع معها والقسم الثاني يقبل التعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته التغيرات السياسية بالبلاد. فقد شمل هذا البيان كل الدستوريين دون استثناء رغم أنه قسّمهم إلى عدة أصناف منها « المختلفون في الرؤى بحكم التنوع الفكري» و «الصامتون في أغلبهم» و «المتابعون بيقظة للشأن العام» ومن خلال المحتوى يمكن أن نعتبر الموقّعين، من الدستوريين المعتدلين في مواقفهم من التيارات السياسية المختلفة لرغبتهم في المساهمة في إصلاح البلاد من منطلق تجاربهم وملاحظاتهم للواقع التونسي المتدهور خلال السنوات الأخيرة. يبدو أن الموقّعين على ما يمكن أن نعتبره وفاقا جديدا قد تشكلوا من عدة جهات لتأسيس حاضنة سياسية قوية قادرة على توفير مرتكزات جهوية متشبعة بالفكر الدستوري البورقيبي بما لا يخلو من توجه للمساهمة في الحكم من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، وذلك بتصور جديد يقطع مع أخطاء الماضي ومع المنوال السياسي والتنموي الحالي الذي يكاد يدمر البلاد ومن لا ينكر الجهود الكبيرة للدستوريين في بناء الدولة الوطنية الحديثة وخبرتهم بالحكم وكفاءتهم في العديد من المجالات بما حقق لتونس ازدهارا ونماء ومكانة متقدمة بين الأمم، لا يمكن له إلا أن يرحب بأي بادرة للإصلاح خصوصا وأن أخطاء الحكم طيلة السنوات السبع الأخيرة قد أثبتت للشعب التونسي أن للنظام السابق مآثر عديدة يجب البناء عليها مثلما كانت له أخطاء يجب القطع معها.
نجاة ملايكي   https://www.facebook.com/najet.mlaiki